ظلت سلمى ممتنعه عن الطعام والشراب مع أسرتها، ولا تخرج من غرفتها ، وفى كل وجبة غذاء ، يسأل والدها أمها ، قائلا " هى لسه حابسه روحها فى أوضتها " فتجيب امها " بكرة تروق ، سيبها ما دام مرتاحة كدا "
كان الحاج ربيع حزيناً على حال إبنته ، وهو ما لاحظه أخيه الأكبر "سعد " ، فبادر بسؤاله " مالك يا ربيع ، شايفك اليومين دول مش ولا بد ، إنت تعبان ولا إيه "
حكى ربيع لأخيه كل شىء لعله يجد عنده حلاً، فهو دائما ما يستشيره فى كل صغيره وكبيره ، وأحيانا يأخذ برأيه حتى وإن لم يكن مقتنع به ، فهو يرى أن أخيه أكثر منه خبرة فى الحياه ، وليس ربيع فقط من يأخذ برأى أخيه سعد ، فمعظم أهل القرية يقصدونه فى الجلسات الودي ، والخلافات التى تحدث بين الجيران اوالأقارب او الفلاحين . الجميع يعتبره مثل شيخ البلد او العمدة وكلمته لا بد أن يؤخذ بها .
أشار سعد على ربيع أن يتحدث معها بهدوء فقال له " أقعد مع سلمى وبالهداوه كدا ، حاول تفهمها ، العيال بتوع اليومين دول ، مخهم طاقق ، مسمعتش عن بنت فلان إللى هربت من البيت ، وبنت فلان إللى حاولت تسم نفسها ، وخدهم يومين واطلعوا أى مصيف ، خليها تغير جو "
أخذ ربيع بنصيحة أخيه ، وفى المساء ، وبينما كانت تجلس سلمى فى غرفتها وحيدة ، سمعت طرقات خفيفة على باب غرفتها ، قامت وفتحت الباب ، لتجد امامها والدها ، نظرت إليه ، ثم ذهبت وجلست على سريرها .
ذهب والدها ، وجلس بجوارها ، وبدأ فى الحديث إليها
- اوعى يا بنتى تفكرى إن فى يوم هقف قصاد مصلحتك ، انا مليش غيرك إنت وأخوكى ، إنتوا سندى فى الدنيا دى ، انا بتعب وأشتغل واكافح عشان مين ؟
يابنتى ، إنت لسه صغيرة ، متعرفيش حاجة فى الدنيا ، انا مش عاوزك تتبهدلى فى بيوت الناس ، ولا تروحى على مصير مجهول ، الشباب مفكر الدنيا سهلة ، وبيرسموا أحلام وردية ، لكن الواقع شىء تانى ، كتير من شباب البلد ، مخلص تعليم من سنين ومش لاقى شغل ، لسه بياخد مصروفه من أهله . انا مش عازوك ترتبطى بواحد ميقدرش يصرف عليكى ، او يحرمك من حاجة إنتى نفسك فيها ، إحنا ياما حبينا وياما حلمنا ، بس لما بنعيش الواقع ، حساباتنا بتتغير .انتى لو طلبتى عنيا مأخرهمش عنك ، بس انا عمرى ما هوافق على حاجه ضد مصلحتك ، حتى لو إنتى إللى عاوزة كدة ، محدش بيرمى ضناه فى النار ، الضنا غالى يا سلمى .
يلا قومى ، وحشنى الأكل معاكى ، ساعدى ماما فى المطبخ ، نفسى أكل من إيدك .
وبعد هذة الكلمات ، خرج ربيع من الغرفة وأغلق الباب دون إحكام .
كان لهذة الكلمات مفعول يشبه السحر على سلمى ، وبمعنى أخر ، كانت سلمى فى حاجة لأن تسمع مثل هذة الكلمات ، كانت بحاجة لمن يزيل الفجوه التى حدثت بينها وبين اسرتها . مسحت سلمى ما تبقى من دموعها ، ثم خرجت هى الاخرى من الغرفة ، وذهبت إلى المطبخ ، وما إن رأتها أمها ، حتى احتضنتها قائله ، " يا حبيبتى ، ربنا يخليكى ليا وميحرمنيش من حسك " .
وبعد تناول العشاء ، سئل الاب الجميع " إية رأيكوا نروح نقضّى يومين فى أى مكان ، نصّيف ونغير جوا ، تحبوا تروحوا فين ؟ "
قالت أم سلمى : نروح اسكندرية يا حاج ، عاوزة اروح زنقة الستات :P
فسأل سلمى : وإنتى يا سلمى ، عاوزة تروحى فين ؟
فردت سلمى : اللى تشوفوه ، أى مكان
فقال لها : لا قولى ، المكان اللى هتقولى عليه ، هنروحه حتى لو تركيا .
ضحكت سلمى وقالت : خلاص زى ما ماما قالت ، إسكندرية
فقال ربيع : خلاص جهزوا شنطكوا بكرة ، وهنمشى بعد بكرة الفجر .
ذهبت الأسرة إلى الاسكندرية ، وقضت سلمى وقتاً جميلا على شاطىء إسكندرية الخلاب ، كانت تنظر إلى البحر وصورة أحمد لا تفارق خيالها ، تتنهد وكأنها تشكى إليه همومها فيرد عليها بأمواجاُ عالية ، وكأنه يقول لها ، إرمى كل همومك وأحزانك بداخلى ، وعودى سلمى ، الفتاة الجميلة المبتسمة دائماً .
كانت سلمى ترد على أمواج البحر تارة بدموعها ، وتارة تمسك حجراً وتقذفه فى الماء ، وتارة تملأ يديها بالرمال وترميها فى إتجاه الريح ، كانت تحس بإرتياح مع كل حجر تقذفه وكأنه حجراً من الهموم .
ومر اليومين سريعاً وعادت الاسرة الى المنزل ، تركت سلمى الكثير من حزنها وهمها على شاطىء البحر . أرادت ان تعود إلى حياتها الطبيعية ، وأن تركز على إختيار الكلية المناسبة ، وتترك امر الحب والزواج لما بعد الكلية ، حتى يكون أحمد قد أنهى دراسته وحصل على الوظيفة المناسبة .
لكن تأتى الرياح دائما بما لا تشتهى السفن ، ويبدو ان كل ما تفكر فيه سلمى لن يحدث ، فقد كان فى إنتظارها مفاجأة من العيار الثقيل ، كفيلة بأن تقضى على هذة المسكينة .
فى اليوم التالى من العودة ، ذهب ربيع لأخيه سعد ليشكره على فكرة المصيف ، ,اخبره بأنه شعر بتحسن سلمى كثيراً .
وأثناء تناول الشاى ، دار هذة الحديث بينهم
سعد : عارف الحاج سلامة النجار ، صاحب محلات الموبيليا
ربيع : أيوه، حد يتوه عنه ، دا اى عريس دلوقتى بيفرش بيته من عند الحاج سلامة
سعد : كان عندى أمبارح ، وعاوز يناسبنا
ربيع : يناسبنا ؟ فى مين ؟
سعد : فى سلمى طبعا ، هو هيلاقى أحلى من سلمى ، والراجل موافق على اى طلبات
ربيع : بس سلمى لسة مدخلتش الجامعة ، يعنى لسه قدامها 4 سنين ، وبعدين ما انت عارف ، إحنا مصدقنا خلصنا من موضوع الواد بتاع الكمبيوتر
سعد : بص يا ربيع ، البنت فى الاخر ملهاش إلا بيت زوجها ، دخلت الجامعة ، مدخلتش الجامعة ، خدت 4 سنين ، خدت سنتين ، فى الاخر هتجوز وهتقعد فى بيت زوجها
ربيع : كلام إيه دا ياحاج ، إنت عاوزنى أطلع البت من التعليم عشان تتجوز ؟
سعد : مين قال كدا ، طبعا تكمل تعليمها ، بس بدل ما تاخد كلية 4 سنين ، ومصاريف وسفر وهيصة ، تدخل معهد سنتين ، تخلصهم فى بيت زوجها ، وأنا هشوفلها واسطة تدخل معهد تمريض سنتين ، وتبقى ممرضة ، تشتغل فى المستشفى إللى بيبنوه فى البلد .
وأنا كلمت الحاج سلامة فى الموضوع دا ، وقال إنه متكفل بتعليمها وكل متطلباتها من اول يوم تدخل بيتهم .
ربيع : أيوه يا سعد ، بس.....
سعد : صدقنى فرصة مش هتتعوض ، الحاج سلامة معندوش إلا ولدين وبنت ، البنت متزوجه ، ورضا " العريس " بيشتغل فى السعودية محاسب ، وشقته جاهزه مش ناقصها إلا سلمى ، ورامى لسه مخلص جامعة ،
دول ناس مستريحين ، والحاج سلامة محترم جدا ، وكل الناس بتشكر فيه .
ربيع : مش عارف والله اقولك إيه !!!
سعد : فكر براحتك ، انا قلتله هرد عليك بعد أسبوع ، ومتنساش ، الزواج ستره ، وبنت رايحه الجامعة ، وممكن الواد بتاع الكمبيوتر دا يلعب فى دماغها ، انت مش تايه عن اللى بيحصل فى الجامعات والزواج العرفى ، والبنات إللى بتهرب من أهليها ، والبنت إللى بتعمل الغلط ، بتحط راس اهلها فى الطين طول العمر ، حتى لو قتلوها .
ربيع : بس سلمى محترمة ومتعملش كدا
سعد : محدش يقدر يقول كلمة على سلمى ، أنا اقطع لسانه ، بس بردو ، كل واحد بيقول على بنته كدا ، طيب إنت كنت تعرف إنها كانت بتحب الواد بتاع الكمبيوتر دا ؟ ، أمها كانت تعرف ؟ بنات اليومين دول لقمة طرية ، الافلام و المسلسلات التركى لحست دماغهم ، وكل بنت دلوقتى تمسك فى عيل وتقول دا مهند بتاعى . زى ما بقولك يا ربيع ، انا معنديش أغلى من سلمى ، ولو شايف الناس دى وحشة ، عمرى ما هوافق حتى لو إنت موافق ، وبردو خدلك يومين تفكير ورد عليا عشان ارد على الحاج سلامة .
لم يكن ربيع يحتاج إلى التفكير كثيراً ، فقد كان كلام أخيه سعد مقنعاً بالنسبة له ، لم يكن ربيع يفكر فى أن اسرة العريس ميسورة الحال ، وأن العريس يعمل بالخارج ، كان تفكيره فى جهة أخرى تماماً .
ظل ربيع شارداُ طوال اليوم ، وعندما أتى المساء وبعد تناول العشاء ، ذهب إلى النوم على غير عادته ، فلحقته زوجته وقالت
أم سلمى : مالك يا ربيع ، مش على بعضك كدا وسرحان ، فيه حاجة
ربيع : فيه موضوع شغلنى كدا
أم سلمى : خيرا يا خويا ، اللهم أجعله خير يارب
ربيع : خير إن شاء الله
أم سلمى : يعنى موضوع بخصوص شغلك ولا بخصوص إيه ؟
ربيع : الصباح رباح ، انا هنام دلوقتى ، طفى النور
أم سلمى : طيب ، تصبح على خير
أخذ ربيع يتقلب يميناً ويساراً باحثاً عن النوم دون جدوى ، فقد كان التفكير يسيطر على عقله ، وبعد مضى أكثر من ساعة ، راح فى نوماً عميقاً من شدة التعب .
رأى ربيع فى منامه سلمى وأحمد يتحدثان فى الجامعة
أحمد : انا معنتش قادر أعيش من غيرك يا سلمى ، وحشنى صوتك ، من ساعة ما جيت عندكم البيت وانا معنتش بعرف أكلمك ، بعد ما كنت بكلمك كل يوم قبل ما أنام
سلمى : ولا أنا والله يا احمد ، بس هعمل إيه ،
أحمد : إحنا نتجوز ونحطهم قدام الامر الواقع
سلمى : نتجوز ؟؟؟؟ إزاى ؟؟؟ لا، ابويا ممكن يقتلنى
أحمد : محدش هيقدر يكلمك ، إنتى هتكونى مراتى ، زوجتى حبيبتى ، وهحطك فى عنيا
سلمى : لا يا أحمد ، أنا خايقه
أحمد : خايفه وأنا معك ، بقولك هتبقى زوجتى ، على سنة الله ورسوله ، أنا هكلم إتنين من صحابى شهود ، ونكتب عقد زواج عرفى ، خلى معاكى نسخة وانا معايا نسخة
سلمى : لا يا أحمد ، مش هعمل كدا
أحمد : يبقى أنتى مش عاوزانى ، وإنتى إللى أخترتى
سلمى : طيب ، بس محدش يعرف دلوقتى ، لحد ما تتخرج وتيجى تتقدملى رسمى
أحمد : والله ما حد هيعرف ، وأول ما أخلص دراسة هتقدملك ، ولو موفقوش ، هنحطهم قدام الامر الواقع عشان يوافقوا
سلمى : أنا خايفه يا أحمد
أحمد : متخفيس يا حبيبتى
بعد ذلك رأى ربيع إبنته سلمى وأحمد يدخلون شقة مفروشة ، وأحمد يقول لها " إدخلى يا عروسة برجلك اليمين "
وفى مشهد أخر ، أقتحمت الشرطة الشقة ، وألقت القبض على أحمد وسلمى فى وضع مخل ، وجميع سكان المنطقة يشاهدون الاثنين ينزلون السلم فى قبضة الشرطة يواريهم غطاء السرير
إنتفض ربيع من نومه مفزوعا واضعا يده على رقبته وكأنه يحس بإختناق وأخذ يردد " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "
نزل ربيع من على السرير وشرب بعض الماء وأخذ قراره بالموافقة على زواج إبنته " سلمى " من " رضا " إبن الحاج سلامة النجار .
لكن كان عليه أن يختار الطريقة التى سيفاتح بها سلمى فى الموضوع ، هو يعرف جيداً انها سترفض ، لكن عليه ان يحاول إقناعها .
فى اليوم التالى ، تحدث ربيع مع زوجته ، وحكى لها ما حدث بينه وبين سعد ، وما رأه وهو نائم . لم تجد أم سلمى اى رد على كلام زوجها ربيع ، فمن داخلها ، لا تريد لإبنتها الزواج من شخص لا تحبه ، لا تريد أن ترى إبنتها حزينه فى حياتها وفى زواجها ، لا تريد أن ترى إبنتها تبكى فى يوم زواجها ، لكن ماذا تفعل فهى لا حول لها ولا قوة ، إن رفضت ، فقد يغضب عليها زوجها ، وقد يصل الحال إلى الضرب ، فهى تعرف جيداً ما سيقوله من " إنتى هتبوظى بنتك ، إنتى مش عارفه تربيها "
إلتزمت أم سلمى الصمت ، ولما سألها ربيع عن رأيها ، ردت قائله " إنت أدرى ، إللى تشوفه صح ، إعمله " ، بس شوف هتقنع سلمى إزاى ، انا مليش دعوة .
لمشاهده الجزء التاني هنا